اتصل بنا
 

جيش العراق لم يُقاتِل ولا يُقاتِل ولن يُقاتِل؟

كاتب لبناني

نيسان ـ نشر في 2015-07-11 الساعة 01:59

نيسان ـ

لم تقرِّر الجمهورية الاسلامية الايرانية حتى الآن الاتجاه الذي ستدفع اليه الوضع السوري بعد تأكدها ومعها العالم كله من استحالة نجاح نظام الرئيس الأسد في استعادة السيطرة على بلاده كلها، رغم الدعم اللامحدود الذي قدمته له سواء بالسلاح أو بالمال أو بالخبراء العسكريين أو بالمقاتلين من أصحاب الانتماء المذهبي الواحد والهويات الوطنية المتنوعة. هذا ما يقوله عرب قريبون من طهران ونظامها. ويضيفون اليه الكلام الآتي: لا تزال القيادة فيها غير حاسمة لخياراتها السورية. فهل تريد بقاء النظام السوري كما كان على مدى عقود رغم التغييرات التجميلية التي قد تقبل ادخالها عليه؟ أم تريد استبدال رئيسه فقط وابقاء هيكلياته ومؤسساته وخصوصاً الأمنية والعسكرية منها كي تضمن استمراره؟ أم تريد حماية العلويين فقط وذلك يكون بموقف دولي رافض ابادتهم بعدما تحوَّلت الثورة السورية حرباً أهلية – مذهبية، وبعدما ساهم التردُّد الأميركي في مساعدتها والتصميم النهائي الايراني – الروسي على ضربها، في حماية النظام الذي تريد تغييره؟
في أي حال، يبدو أن القريبين المذكورين أعلاه لم يعودوا بعيدين من الاقتناع بأن المشروع الاقليمي لايران يتداعى. فسوريا على طريق الانهيار التام شعباً ودولة ومؤسسات ونظاماً وربما جغرافية. ولبنان قد يتبعها في هذه الطريق اذا تشدَّدت شعوبه المتعادية وحاول كل منها الانفراد بالنصر. وذلك غير مستحيل رغم التعقّل الذي يُبديه الطرفان الأقوى في فريقي 8 آذار و14 آذار أي "حزب الله" و"تيار المستقبل"، والذي يحاول اطاحته أطراف متحالفون مع كل منهما ولكن لهم "أجندات" خاصة بهم. وفلسطين لم تعد لاعباً عملانياً فيها رغم الانكارات اللفظية المتتالية سواء من غزة ("حماس") والضفة الغربية ("الجهاد الاسلامي") أو من طهران ورغم استمرار الدعم المالي للحلفاء الفلسطينيين، علماً أنه صار بـ"القطارة". أما في العراق الذي كان كله بالنسبة اليها مداها الحيوي فإن هذا الأخير تقلَّص كثيراً بحيث صار مقتصراً على بغداد والجنوب. علماً أن بقاء بغداد داخله قد لا يكون مضموناً لاعتبارات كثيرة.
هذا الواقع المشروح أعلاه يوافق عليه بالاجمال القريبون من طهران أنفسهم. لكنهم يلفتون في الوقت نفسه الى أن صراع المشروعين التركي – الايراني في الشرق الأوسط، وصراع المشروع الايراني وأفكار المشروع السعودي الذي لم يوضع بعد أو لم يكتمل بعد، سيستمر. ويلفتون أيضاً الى نشوء حال رفض قوي سنّي – عربي وسنّي – اقليمي لايران ومشروعها، وحال رفض شيعي (لبناني – سوري – عالمي) مماثل في قوته للمشروع التركي وشبه المشروع السعودي. علماً أن هناك حال رفض اقليمي غير عربي وغير اسلامي كبير لا يجوز اغفاله أو تجاهله هو رفض اسرائيل لكل المشروعات التي تشكِّل خطراً عليها وفي مقدمها اليوم الايراني. وعلماً أيضاً أن هذا الرفض قد يشمل لاحقاً المشروعات العربية والسنّية، وخصوصاً اذا جنح أصحابها نحو التشدُّد حتى التكفير والعنف، وحتى اعتماد ايديولوجيا ازالة الآخر المختلف في المنطقة منها أياً يكن دينه ومذهبه وعرقه وإثنيته.
طبعاً لا يعني ذلك، يشدِّد القريبون أنفسهم، أن ايران قلقة في العراق وخائفة من تطوّر أوضاعه في اتجاه مناقض لمصالحها الحيوية والاستراتيجية، ويؤكِّدون أن شيعته غير قلقين أيضاً. فاذا أراد السنّة العراقيون الانفصال لا مانع. وهم أحرار أيضاً في اختيار الحكم الذاتي أو الفيديرالية. في النهاية هم الخاسرون، فبغداد خط أحمر وكذلك المناطق الشيعية "المعزَّزة". ولا يعني ذلك طبعاً توقُّف عمليات القتل والتفجيرات والاغتيالات. علماً أن "البعث" لا يريد تقسيماً لأنه كحزب، وان منحلّاً، ينتهي من دون بغداد، ولأن مصلحته ثابتة في حكومة مركزية وفي استمرار تواصل الجذور الحزبية العراقية – السورية. في اختصار، يضيف هؤلاء، صار العراقيون مقتنعين بأن المذهبية صارت عميقة جداً عندهم، وبأن جيشهم لم يقاتل ولا يقاتل ولن يقاتل، وبأن البيئة الحاضنة للسنّة محتارة (قبائل وعشائر) لكنها لن تختار الشيعة، وبأن السياسيين السنّة لا يمونون على سنّة العراق، وبأن شيعته لا يستطيعون "اختراع" سنّة لهم فيه، وبأن ايران تعرف أن شيعة العراق لا يحبونها لكنهم متمسكون بها لأسباب معروفة.
الا أن ذلك كله على صحته لا يمكن إلا أن يكون مصدر قلق، خلافاً لما يقوله هؤلاء القريبون.

المصدر: النهار اللبنانية

نيسان ـ نشر في 2015-07-11 الساعة 01:59

الكلمات الأكثر بحثاً