اتصل بنا
 

جهاد جبارة.. رحال يودع صحراء الأردن فيستقر في وجدانها

نيسان ـ نشر في 2019-12-13 الساعة 21:23

x
نيسان ـ فاطمة العفيشات
انتصف قلبه بين حب الكتابة والصحراء, ثم نصب رايته في رمال الأردن بثبات, كقطعةٍ ذهبيةٍ يسطع بريقها تحت أشعة الشمس .
انه الرحال جهاد جبارة، الأديب والمتزن وسط عالم ينهشه الضجيج والتذبذب؛ صنع لنفسه ذكريات وآثارٍ مع الانسان والمكان لا تمحى, كيف لا ومن نتحدث عنه هو عريس الصحراء وفارس أحلامها الغيور .
ولد جهاد في عمان يوم 6-9-1948 , ودرس في مدرسة الزرقاء حتى أتم المرحلة الثانوية فيها.
يقول غالب جبارة الشقيق لـ"صحيفة نيسان" بان جهاد خط أولى كلماته في الابداع أواخر المرحلة الأساسية، وتحديداً في الصف السادس.
حينها كان الراحل جبارة يدهش زملاءه ومدرسيه بكتابة العبارات الصباحية الخاصة بالإذاعة المدرسية، بحنجرة أحد زملائه, الى أن اقنعه معلميه بإلقاء ما يكتبه على الإذاعة لجمال صوته, فبدأ بعدها كتابة الشعر والخواطر والقصص الصغيرة, والقاءها بصوته وسط دعم وتشجيع من ذويه ومدرسيه. حسبما يروي شقيقه لصحيفة نيسان.
منذ البدء كانت الحياة تمارس قهوتها على جبارة، فلم يتسن له اكمال دراسته والجلوس على المقاعد الجامعية.
عمل جهاد بعد إنهاء المرحلة الثانوية في تجهيز مكاتب الطيران , واستطاع ان يصنع علامة خاصة له من الإبداع في حقل الطيران والشحن, لكن عشقه الأوحد لقلم الصحراء اعاده إليه في السبعينيات متفرغا, من خلال العمل بعدة صحف ورقية يومية واسبوعية , حتى استقر في صحيفة الرأي التي قدمته للاردن باحثا وعاشقا بجمل صحافية.
عشق الصحراء قاد جبارة للبحث في تفاصيلها وخفاياها مبحراً بسفينته بين أمواج الرمال, مفتشاً عن تفسيراتٍ لنقوشٍ ومعالم , فأكتشف وجود الصفويين قبل آلاف السنين في الصحراء الأردنية, بالإضافة للحياة والحضارات القديمة التي شهدتها تلك الصحراء, من خلال رموز ونقوش ودلائل وجدها وبحث عنها هناك.
في السبعينيات ارتبط بشريكة حياته , وانجبوا من الأبناء اربعة تعادل فيها الذكور والاناث.
لجهاد مقالاتٍ عديدة في الصحراء والوطن وحتى الشهداء اشهرها مقالة "عن ليلة الثلاثاء الأخيرة للشهيد راشد الزيود" والتي كتبها رثاء للشهيد , كما أن له عدة مؤلفات عن الصحراء منها “صهيل الصحراء” وكتاب “وجوه الطين" الذي لم يكتب له أن يوزع بمقام يليق به.
خلال مسيرة حياته التقى جهاد بجلالة الملك عبدالله الثاني اثناء زيارته لجريدة الرأي, وبعد اهدائه الجزء الأول من كتاب "صهيل الصحراء" , امر الملك ديوانه بدعم جهاد بالجزء الثاني من كتابه, ومنحه سيارة وسائقا خاصا ليستطيع التنقل بحرية بالصحراء, وتم الدعم فعلاً , لكن الظروف لم تأخذ بيد الكاتب لإتمام ما يليه من أجزاء ثالثة و رابعة.
في احدى المرات كتب جبارة على حائط صفحته الفيسبوكية :" الله مع نداء المآذن,وتراتيل الرُهبان الصائمين,مع صلاة عُصفور زَقزَقة,مع وضوء الحساسين,أناجيك" ...
جبارة هنا كان يقدم نفسه كما يشتهي من دون قيود دينية..هو خليط من حب وإنسانية، حفظ شيئا من القرآن الكريم الى جانب الكتاب المقدس , وحفظ التراتيل والأحاديث النبوية , كتب عن التعايش الديني بين المسلمين والمسيحين, كما أنه سجل عدة اكتشافات لمعالم دينية في الصحراء ومناطق جنوب الأردن, فعاش بين الناس وهم يجهلون لأي ديانة ينتمي .
انتقل جهاد إلى رفيقه الأعلى بتاريخ 11-12-2019 , بعد معاناة لسنوات عديدة مع المرض, ففي عام 2016 تعرض الراحل لجلطة دماغية اصابته بشلل في الجانب الأيمن وفقدانٍ للنطق, تلتها عدة جلطات اجبرت ذاك الجواد على الترجل عن فرسه , ثم سقطت ريشة فنان الصحراء من يده.
كزوجٍ مخلصٍ وحبيبٍ وفيّ , كان يتلذذ بجوار محبوبته ليلاً في صفو سمائها ومداعبة شعرها ورمالها بأنامله, والتغزل بعيونها المتلألئة.
غبار الصحراء اليوم هو حزن تلك المحبوبة على رفيقها الذي هجرها رغماً عنه، اما أثره فمنقوش في حبات الرمال على غير العادة , وبصمته تشكلت من نجومٍ في السماء ترسل أهازيجها في كل ليلة إلى روح من رحل عنها.

نيسان ـ نشر في 2019-12-13 الساعة 21:23

الكلمات الأكثر بحثاً