اتصل بنا
 

بشرى للأردنيين...أبناء العشائر في النار

للتواصل مع الكاتب:

نيسان ـ نشر في 2019-12-29 الساعة 13:08

بشرى للأردنيين.. .أبناء العشائر في النار
نيسان ـ إبراهيم قبيلات...بُشرى من ضلال، زفّها "خطيب" متحمّس لشد انتباه سامعيه، وسط مأتم لرجل كريم، ودّعناه الجمعة على وقع أحاديث كثيرة يستحضرها مجايلوه عن أخلاقه ومروءته ودماثته، توارثها أبناؤه؛ فأمتهم الناس معزيةً من شتى مناطق الأردن؛ لكن الشيخ أقحم العشيرة في خطاب ديني منزوع الأصل والقيمة، باعتبارها الطريق السريع إلى النار.
في البدء، امتشق محدثنا طوله، ليفرض نفسه على الجمهور دون استئذان، على عادة البعض من أرباب اللحى ممن يتقصدون مناسبات المآتم للتذكير بيوم الحساب والعقاب، لكن الرجل حلّق بعيداً عن مسارات الدعاء للمتوفى، بعد أن ساد الصمت في المكان، وتوجهت الانظار نحو "الشيخ"، الذي راح يحدثنا في السياسة وفي الدين وفي الاجتماع، معتمداً على معلومات ضحلة وركيكة، لكن لا خيارات أمام الناس إلا التململ أو تشنيف آذانها لحنجرة تجيد الكلام جيداً.
في الحقيقة، اعتاد الكثير من "الشيوخ" على استغلال مناسبات مشابهة للوقوف بين الجماهير، بعد أن يشقوا لأنسفهم مكانا آمناً، يبدأونها بالصلاة على النبي وبما تيسر من آيات كريمة ذات علاقة بالموت، فيتلونها ليتوقف الحديث في القاعة قبل أن يجبرونا على سماع ما في جعبتهم من أفكار "جدلية"، يعكسون بها قناعتهم وآراءهم، لا موقف العقيدة والدين، فلا أحد يقاطعهم أو يصحح أفكارهم؛ احتراماً لروح المتوفى وذكراه.
"احترام" يستغله الشيخ أبشع استغلال بتركيب جمل مستفزة، يتبعها بحركات بهلوانية كلما اقتضت الحاجة لذلك، في إصرار لا يمكن فهمه على تفريغ كامل آرائه وقناعاته في بطن المكان وعقول الحاضرين عن الفساد والسياسة والدين والعشيرة.
أمس، كان يتحدث أحد الشيوخ عن وحشة القبور وبرودتها قبل أن ينتقل مباشرة وفي انعطافة سريعة ليغمز للعشيرة، بوصفها "كبيرة" لا تحتمل التوبة أو التصحيح، من دون أن يقول أن سلوك أفرادها وأخلاقهم هي المعيار القيمي في الدنيا والأخرة، فضجرت الناس بعد تكرارها وتكريسها "إثماً" لا يستوي معها إلا "التشلوط" بالنار.
من أين يأتوننا بمثل هؤلاء الشيوخ ليستفزوا الناس ويعيدوا تقسيمهم عامودياً وأفقياً في مجتمع فتته الحكومات، وذهبت به بعيداً حتى النواة؟ وهل تعجز مؤسسات الدولة ذات العلاقة عن حماية إنسانيتنا وصون آذاننا من كل هذا الشطط الملتحي؟
بالمقابل، ندرك جيداً أن هناك رجال دين متحصنين بالعلم والمعرفة والفقه والشريعة، ويستطيعون ملء الوقت-سواء في المساجد أو في "الملمات"- بمعلومات قيّمة عن فلسفة الموت، وعن دور الإنسان في الحياة، من دون شيطنة الحضور والحط من شانهم، أو الغمز واللمز لأي منهم، في إطار من الوعي المستند للحجة والبرهان.
المعادلة اليوم مختلفة، فلم تعد الخطابة فناً لمخاطبة الجماهير بطريقة إلقائية تشتمل على الإقناع والاستمالة، ولم يعد التمكين العلمي شرطاً في صاحبها، كل ما على الطامحين بالوجاهات البغيضة أن يطلق العنان للحيته ويرتدي ثوباً وشماغاً ثم يقف أمام الناس خطيباً وداعياً ومرشداً وفقيهاً وسياسياً واقتصادياً ومصلحاً، فينتج صوّاناً وحجارة وقنابل لا كلاماً،؛ فيحزّ به نسيجنا وأمننا قبل أن يمضي إلى مأتم آخر يقول به ما ترضاه نفسه وضميره.
نخشى من تفاقم الحالة، ونخشى من زيادة انتشار هؤلاء الجهلة في مناسباتنا الاجتماعية، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل التالي: لم لا توفر وزارة الأوقاف أو مديرية الامن العام رقماً للتبليغ عن كل من ينتحل شخصة رجل الدين ويعرض صفو المجتمع للتعكير؟.
.

نيسان ـ نشر في 2019-12-29 الساعة 13:08


رأي: ابراهيم قبيلات

للتواصل مع الكاتب:

الكلمات الأكثر بحثاً