اتصل بنا
 

النباتيون في الأردن: بين القناعة واستهجان المجتمع

نيسان ـ نشر في 2020-01-05

نيسان ـ في ظل تزايد المشكلات المناخية العالمية، يعمد الكثيرون من الأفراد إلى تغيير سلوكياتهم وأنماط حياتهم بما يعكس اهتمامهم وقلقهم على البيئة، ففي حين أثارت الناشطة البيئية الشابة غريتا تونبيرغ ضجة عالمية بتحديها للنمط السائد ومجاهرتها بآرائها في المحافل الدولية وتحت أعين الكاميرات، يتحول الكثيرون حول العالم كل يوم شيئاً فشيئاً نحو الحمية النباتية لما لها من تأثير على تخفيف التلوث، إلى جانب أسباب أخرى.العالم العربي ليس بمعزل عن هذا التوجه، ولعل أشهر من نادى مؤخراً باتباع الحمية النباتية هو باسم يوسف، الجراح والكاتب ومقدم البرنامج المعروف "البرنامج"، وذلك في سلسلة فيديوهات أطلق عليها اسم "Plant B" صاحبها إطلاق لموقع كامل يهدف لحث العرب بالأخص على إعادة النظر في عاداتهم الغذائية واتباع هذا النهج الجديد الذي لم يلقَ بعد شعبية كبيرة في المنطقة.
ومن أسباب استنكار العرب تحديداً لهذا النمط الغذائي ظنهم أن فيه مخالفة للنصوص الدينية، ففي القرآن والسنة للمسلمين الممثلين الغالبية من العرب يحلُّ أكل اللحوم والحليب ومشتقاته، إلى جانب العادات والتقاليد الموروثة التي تلزم المعظم بأكل اللحم والحليب في عدة مناسبات. ومن جانب آخر لا يقتصر على العالم العربي، يخشى الكثيرون من أن الحمية النباتية ستُفقدهم عناصر غذائية مهمة، أبرزها البروتين. أضف إلى ذلك قلة المواد النباتية المطروحة في السوق وصعوبة إيجاد البدائل.

فيسبوك، الحليف الأكبر
يجدر بنا أن نوضح الفرق بين مختلف التسميات في هذا المجال، إذ يهمنا هنا مصطلحان أساسيان: أولاً النباتية التامة أو الخضرية (veganism) والتي لا يأكل فيها الشخص البيض ولا الحليب ومشتقاته ويسعى لاتباع أسلوب حياة رفيق بالحيوانات، فيحرص على أن تكون مقتنياته والمواد التي يستخدمها خالية من المواد الحيوانية والعنف ضد الحيوان. أما النباتية (vegetarianism) فتقتصر على عدم تناول اللحوم والدجاج والسمك، بينما يتناول الفرد فيها الحليب والبيض وغيرها.يعج فيسبوك اليوم بمختلف المجموعات والصفحات العربية التي تحث على اتباع النباتية، منها مجموعة (Vegans of Amman) على فيسبوك، والتي تضم أردنيين وأجانب يقطنون في الأردن. تأسست المجموعةَ على يد تشيلسي جنيدي، أمريكية متزوجة من أردني يملكان مطعماً نباتياً في الهند، وهونيبي هندرسون، أمريكية بأصول لبنانية تعمل مرشدة روحانية وأخصائية في التغذية المتكاملة ومعلمة لليوغا. تهدف المجموعة للترويج لهذا النظام وإتاحة الفرصة لتواصل متّبعيه مع بعضهم البعض، حيث يجتمع أعضاؤها مرة شهرياً على مائدة يساهم فيها الأعضاء بطبق نباتي من إعدادهم، وقد تجاوز عددهم في فترة إعداد هذا التقرير 1300 فرد.وفي استفتاء أجاب عليه حوالي 140 شخصاً من أفراد المجموعة قال 43% إنهم يتبعون النباتية التامة، ونحو 27% إنهم نباتيون، في حين قال 20% إنهم لا هذا ولا ذاك إنما دخلوا المجموعة لحب الاستطلاع، و7% إنهم دخلوا المجموعة بهدف التحول للنباتية.

تتعدد الأسباب والطريق واحد
استناداً للاستفتاء الذي خضع له 114 شخصاً من أفراد المجموعة المذكورة، نجد خيار النباتية قلما ينبع من سبب فسيولوجي مثل الحساسية وغيره، بل هو في الغالب نابع من الرأفة بالحيوانات، أو لدوافع روحانية أو بيئية أو لتحسين الصحة، حيث قال 48% إن سبب تحولهم للحمية النباتية هو الرفق بالحيوان، فيما تعادلت الأسباب الصحية والبيئية بتصويت حوالي 22% من المستجيبين على كل منها، وأما الروحانية فجاءت في المرتبة الثالثة بنسبة 7%، وأجاب شخص واحد بأن السبب هو الحساسية.وعند سؤال مجموعة منهم عن الأسباب التفصيلية لاتباعهم هذه الحمية، قالت خديجة محيسن، وهي أردنية تعرّف عن نفسها بأنها "نصيرة للعيش الرحيم"، ومدرّسة يوغا وصاحبة مدونة صوتية وقناة على يوتيوب تشجع على النظام النباتي الكامل، إنها تحولت للخضرية منذ سنتين لأسباب صحية وبيئية وبداعي الرحمة بالحيوانات، أما فداء علعالي، وهي أردنية تحولت للخضرية منذ بضعة أشهر إن مشاهدتها للأفلام التي تفضح التعامل اللاأخلاقي للشركات الكبرى مع الحيوانات على حد قولها كان العامل الأهم في هذا التحول. أما أماني الخب، وهي نباتية منذ سنتين، فقالت إنها تؤمن بأن الخضرية أكثر الأنظمة صحة وتحقيقاً للتكامل بين الإنسان والحيوان والأرض. وأجابت المؤسسة هندرسون بأن السبب في اتباعها للنباتية وحثها الغير عليها هو أن "الحمية الصحية النظيفة القائمة على النباتات والتي تسهّل الهضم على الجسم تؤدي لسهولة أكبر في الوصول إلى الحقيقة بداخلنا"، يتفق معها حسني خليل، وهو أردني روماني، بقوله إن النباتية تساعده في "الوصول لحالة التأمل بشكل أسرع، إذ إن الحيوانات تنقل طاقتها للإنسان ما يؤثر على ممارسة التأمل الروحاني". وعلى الجهة الأخرى، قال محمد خروفة، عراقي يسكن في عمان منذ خمس سنوات، إن "جسده لا يتقبل أي منتج حيواني ولا حتى رائحته" وذلك منذ الصغر.

تقبّل المحيطين
إذا مشيت في أحد محلات السوبرماركت الضخمة جداً في عمّان، فستجد قسماً يتراوح حجمه من صغير إلى متوسط يحتوي على جميع الأغذية "الخالية من"، منها ما يخلو من الغلوتين، وأخرى من الزيوت أو السكر، وبعضها يحمل علامة "vegan". لكن النباتيين حتى وإن كانوا يواجهون صعوبة في إيجاد المكونات التي يعدّون بها طعامهم، فإن قناعتهم تبدو العامل الأهم في بقائهم على أسلوب الحياة هذا وإن كان غير شائع أو مستهجناً من الغير.وفي سياق الحديث عن مدى صعوبة التحول لهذه الحمية من سهولتها، تقول الخب إن الأمر كان أسهل مما توقعت، فيما عدا محاولة شرح الأسباب للأقارب، خصوصاً الأكبر سناً، وتقول إنها لا تشتاق للحم ولا يمكن أن تعود إليه. في حين اعتبر خروفة المشكلة الكبرى التي تواجه النباتي التام في الأردن هي ارتفاع أسعار المنتجات النباتية مثل حليب اللوز والشوفان، وذلك لأنها مستوردة. أما ديما بغدادي فتجد نفسها في جدل يومي مع الآخرين في محاولة لتبرير خيارها هذا. وتعتبر علعالي أن محاولة موازنة غذائها، وخصوصاً الحرص على تناول طعام متكامل، التحدي الأكبر بالنسبة لها. أما هندرسون فترى التحدي يكمن في شرح القضية للناس، وتبرير ضرورة خلو الوجبات من مكونات حيوانية المنشأ لأصحاب المطاعم الأردنية على سبيل المثال.

من واقع فحوص الدم
وبالنسبة للسؤال الذي يُطرح دائماً على النباتيين عن مصادر العناصر الغذائية التي تؤخذ بشكل أساسي من الحيوانات، البروتينات والحديد وفيتامين ب-12 تحديداً، قال خروفة إنه يفحص دمه باستمرار وجميع نتائجه ضمن الحدود الطبيعية، بل وشاركني قصة جدته التي كانت تقول له إنه سيعض أصابعه نادماً على نظامه الغذائي، وإذا بها بعد أن أصيبت بالكوليسترول تستجيب للأطباء بتقليل تناول اللحوم حتى أصبح معظم ما تتناوله نباتياً، والنسبة في ازدياد. أما بغدادي فتمارس الرياضة بالاستعانة بالبروتينات النباتية وتجري فحوصات الدم كل فترة ونتائجها طبيعية. خليل يعوض النقص في فيتامين ب-12 وفيتامين د بالمكملات، ويثقف نفسه باستمرار عن الغذاء المتوازن بأخذ الدورات.كما يبدو أن المجموعة تتفق في النتائج التي وجدتها بعد اتباعها لهذه الحمية، فبغدادي زاد وعيها بالطعام الذي يدخل جسمها، وصارت تعرف مكوناته بعد أن كانت لا تنتبه لما تتناوله، ومحيسن تقول إن انتقالها لهذه الحمية جعلها أكثر وعياً بجسدها وأكثر صحة، إذ لا تذكر أنها تناولت الأدوية منذ قيامها بهذا التغيير. أما خليل فقد وجد أن هذا النظام يمده بطاقة متوازنة طوال اليوم، ويحسّن من الهضم والإخراج، ويبعده عن الخمول والاضطراب الذي يسببه تناول اللحوم.

"ماذا يأكل النباتي؟"
وفي حين يخبئ البعض "نباتيّتَهم" عن الأصدقاء والمعارف، لا يمكن لهم إخفاؤها عن عائلتهم القريبة، إذ أخبرني المعظم عن استهجان أسرهم الأمر في البداية ومحاولة بعضها ثنيهم عنه، لكنهم تقبلوه في النهاية وأخذت بعض الأمهات يطبخن أطباقاً خاصة تناسب حمية أبنائهن، مثل طنجرة أرز بالخضار إلى جانب طبخة "المقلوبة" الرئيسة.تجيب هندرسون على السؤال الذي يتعرض له النباتيون كثيراً: "ماذا يمكن للنباتي أن يأكل؟" بقولها: "إن الكثير من الأطباق الشرق أوسطية نباتي بطبعه"، وتقول محيسن: "ادخل محل الخضراوات" حيث تجد الأطعمة المتنوعة. وقد طلبتُ من بعض أعضاء المجموعة تزويدي بصور لأطباق أعدوها بأنفسهم (في الأسفل)، منها أطباق تقليدية أزيلت منها المنتجات الحيوانية، ومنها المُختَرع، ومنها النباتي أساساً.ومع تعدد الأنظمة الغذائية يبقى الفرد العربي محتاراً في سؤاله الشاغل: "ماذا نأكل؟"
(من لقاءات المجموعة الشهرية والأطباق التي يعدونها بأنفسهم، المصدر: مقابلات مع أعضاء مجموعة Vegans of Amman


نيسان ـ نشر في 2020-01-05


رأي: نورا أبو خليل

الكلمات الأكثر بحثاً