اتصل بنا
 

يا الله كَمْ تَبَدَلَ لوني...

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2020-01-31 الساعة 22:52

نيسان ـ في الحانةِ بالأَمسْ....
ديوجينُ،
و لوركا،
وابنُ رُشدٍ،
وبِرتْراند رَسلْ،
وظِلّيّ الثملُ،
ونادلٌ يلتزمُ بالصمتِ،
وضعَ النادلُ ما لديهِ على الطاولةِ،
ثمّ حدّقَ في وجوهنا الضائعةِ،
وقالَ: سادتي، لا حقيقةَ هنا، فالحياةُ ما هيَ إلاّ محاولةٌ فاشلةٌ للبحثِ عن الحقيقة، فَسادُ الصمتُ في اللَّيلْ..
جَمَعْتُ ما إِستَطَعْتُ مِن بقايايَ المُتَحَلِلَه وَ رَكِبْتُ الطَريقَ إلى مليح، فَهِيَ لَيلَةٌ قَمراء رُغْمَ إختفاء نُجومِها، كان الإحساس باللاشئِ طاغِياً.. كان الطَريقُ يَغمُرُنِي وَي كأَنني لا زِلتُ فِي رَوضَةِ جمعية مليح... تَوَقفتُ على قارِعَةِ الطريقِ أُفَكِرُ وَ أَتسائَلُ عن ماهِيَةِ هذا الشعور الذي لا أَستَطيعُ تَعريفَهُ دونَ الوُلوجِ إلى التأَويلاتِ المُختَلِفَةْ.
فلرُبَمَا هُوَ الحُبْ؟! أم تراهُ شيئا آخر لا أعرِفُهْ؟! ، ألا يُمكِنُ أَن يكون العَطَشُ وَ الجوعُ إلى الحُبِ مَثَلاً؟!.
هَمَمْتُ لِكأَسٍ كانَ رَفيقَ دَربي وَ تَذَكَّرتُ ما قالَهُ الزيرْ سالم لِنضله حين جاء لخِطبَةِ أُختِهِ فاطِمَةْ، قال لَهُ الزير: " عاشِق؟! إذا بَقِيتْ فاطِمَةْ بعد أن تثمَلَ فِي رَأسِكَ فأنتَ عاشِقْ" وانا أقول: لَمْ يُفارِقني شيء يا سالِم فأنا لا أَعلَمُ إلى أينَ وَصَلتُ، وَ ماذا زَرَعْتُ لِأَحصُدَ كُلَ هذا الخَرابْ؟!
لا بَأَسْ عَلَيّ أَنْ أُغيِّرَ شَيئا مَا فِي صِيغَةِ السُؤال عَلَّكَ تُجيبُنِي،
ما دَام الجَنِيُ كُلَ هَذُهِ الصَّدَمَاتِ وَ العَثراتِ وَ الشُرور وَ الخَيباتْ
فَما طَبيعَةُ الشُرورِ التِّي زَرَعْتْ؟!
بَعضُ الخيباتِ ضارَةٌ بِمُجرَّدِ ذِكْرِها، مُؤذِيةً للعَقْلِ وَ القَلبِ وحتى لِلنَظَرْ مِنْ فجاجَتِهْا، والأنكى مِن هَذا كُلِه أننا لا زِلنا نَتَغَنى وَ نَتَباهى بماضٍ مُريبٍ مُرعِبْ،ما الذِّي تَراكَمَ لَدَينا مِنْ هذهِ الخبرات وهذا ما يَقولُهُ المَنْطِقْ وَ مَنطِقُ التاريخ فالخِبراتُ تراكُمية وَهذا بِحَدِ ذاتِهِ يحْمِلُ فِي طَياتِهِ إِهانَةً كَبيرة، أَيُ خَطيئَةٍ تَمْحوهَا خَطيئَةٍ؟!، لم تَعُد المَسأَلَةُ فِي العَيبِ وَحْدَه، باتَتْ المَسأَلَةُ فِي حَجْمِ الشُرورِ التي تَسكُنُنا.
حُزنٌ بارِدٌ أَعمى كَبرودَةِ هَذا اللَّيلْ الذِّي لا أَستَطْيعُ رُغمَ ضوءِ القَمَرْ تَبديدَ ظُلمَتِهِ البارِدَةِ التِّي تَنخُرُ فِي سُباتِ روحي، إِنَها كَلالَةُ الجَسدْ، إِنَّهُ خُمودُ الحَواسْ، هِي خَيبَةُ الأَمَلِ بِمُقبِلِ الأَيامْ، فالرُوحُ أَشلاءٌ مُبعثَرَة، وَ الجَسَدُ نَحيلٌ هَشٌ مُتهالِكْ.
يا الله كَمْ تَبَدَلَ الحال، يَكِفِي أَنْ أَقولْ باتَ لَونِي غَيرَ مُتجانِسْ، كَما أُردِدُ دائِماً لا شئَ يُذكَرْ،بلا ولا شي.. هِي تَماماً تَلخيْصٌ لِلَحظَةِ إِكتِشافِي بِأَنَّنِي أَقِفُ أَمامَ مَنزِلْ عيدة المحمد الذِّي ينامُ فِي حُضْنِ القَريَةِ القَديمةَ لِأَعْودَ وَ أُكَرِرْ لا شَئَ يُذْكَرْ.
حِينَ اقتَرَبتُ مِن المَنزِلْ وَ تَذَكَرْتُ مَنزِلنا القَديمْ وَما كَانَ فِي ذاكَ الزَّمانْ وَقليلٌ مِنَ ذِكرياتِ لَطالَما كانَتْ أَشبَهَ بِفولاذٍ تَستَنِدُ إليهِ حيطانُ مَنزِلِنْا وما فِيهِ مِنْ حِكاياتْ.
أَدرَكتُ أَنَّها غُربَةُ الجَسَدْ، وَ رُبَما كانَتْ غُربَةُ الروحِ أيضاً، هِيَ خَيبَةُ الأَمَلْ، وَ خُمودِ اللَظى وَ حِبالُ الرجاءِ التِّي تَقَطَعَت، جَسَدٌ مُنفَصِلٌ عَنْ نَفسِهِ حَتى الصَباحْ إنها الأَعصابُ المُجهَدَة، وَ سُخرِيَةُ القَدَرِ مِنَ الجَمالِ وَ النَضارَة.
يَستَيقِضُ فِي الأَعماقِ بُركانٌ مِنَ العَواطِفِ وَ الذِّكرياتِ البَديعَةْ، يَهُزُنِي شَوقٌ جارِفٌ إلى مُجالَسَتِي وَ حكاياتِي مَعَ الزَّمانْ، وَ كَمْ يُؤسِفُنِي وَ يُشجِينِي أَنْ أقرأَ ما خَلفَ سُطورِي، يا الله كَمْ أنَا وَحيدٌ فِي مَدينَةِ الأَشباحِ التِّي تَتَحوَلُ يَوماً بَعدَ يَوْمْ إلى مَدينَةِ من اللاشَئ، هِي أَقدَارُنا!.. تِلكَ الأُسطُورَةُ الكاذِبَةُ التِّي نَعتاشُها وَ نُقَّدِسُها وَ نُؤمِنُ بِها وَ التِّي تَنبَثِقُ مُنذُ زَمَنِ الإِغريقْ كالموتِ كالطاعونِ وَ كالحَرْيقْ.
مَتَى سَوفَ آَتِي؟! فَقدْ إِشْتَقْتُنِي فَقَدْ تَعَذَبتُ مِنْ بَعدِي، تَعالَي إِليَّ ماذا تَنتَظِرين؟! وَ لَكِنْ قولِي لِي مَنْ أنتِ يا غَصَةَ العُمْر، وَلوْ بَعدَ فَواتِ الأَوان؟! أَشعُرُ بِالبَردْ! مُنذُ أُسبوعْ وَشُعُورِي بالبَردِ يَكبُرْ، لَرُبَما هُو المَوتُ العَبَثِيُ عَيْنُهْ، فَما المَوتُ إِلا طَريقُ غِوايَةْ، وَما سَكينَتُهُ إِلا تَأَهُبٌ لِلّطَريقْ... فِي تِلكَ اللَحظَة هَاجَمَتنِي مَوجَةٌ مِنَ رَسائِلِ الماسنجَرْ، كانَتْ تِلكَ الرَسائِلُ مِنْ حِسابٍ أُنشِئَ قَبلَ دَقائِقْ.. بدايَةُ الرسائِلْ "... كيفَك، انا روان... حلِمت بأنك لابِسْ أَصفَرْ، والأصفر يعني موت"...
بِتُ مُؤمِناً بأَنَّ الموتْ صارَ ضَرورَةً مِنْ بَعدِ أن أَصبَحتُ كَماً مُهملاً فِي حَياتِها... فَهِي سَتسائَلُ ذاتَ لَيلْ هل هِي مَنْ قَتَلَنِي إنْ مِتُ فِي القَريبِ مِنَ الأَيامِ او البَعيد مِنها؟! روحٌ عارِية هكذا رَأيتُها، وهكذا رَأَيتُ نَفسي أيضاً، كُلُ شَئٍ فِي الحَياةِ باتَ عارِياً، فَلا دِماءَ تَجري فيها وَ لا عُروقاً تَنبِضْ...
لَرُبَما أَصبَحْتُ قارِئًا جَيِداً لِرسائِلِ الله، فهَلْ سَأَنجَحُ فِي الإِمتِحانْ؟! الإِمتِحانُ صَعْبْ و الأَسئِلَةُ صَعبة، صعَبَةٌ وَقاسِيَة، وَهِي تَحتاجُ لإِجاباتٍ صحيحة، وهذه الإجاباتُ الصَحيحَةْ تَحتاجُ للأَسئلةِ الصَحيحَةْ لا الأَسئِلَةُ الخَطَأ، وَ لَعَّلَ أَبرَزَ سُؤالٍ هُو ما قُلتُهُ سابِقاً... ما دامَ الجَنْيُ كُلَ هَذا الخَرابْ، فما هِي طَبيعَةُ الشُرورِ التِّي زَرَعْتْ؟!.

نيسان ـ نشر في 2020-01-31 الساعة 22:52


رأي: رأفت القبيلات كاتب أردني

الكلمات الأكثر بحثاً