اتصل بنا
 

ما بين ' كبسة' الطاقة و'فران' العمل

أكاديمية أردنية وخبيرة اقتصادية

نيسان ـ نشر في 2020-02-18 الساعة 08:21

نيسان ـ اعتدت على الاطلاع بشكل يومي على الاخبار الرئيسية أو بالأخص الاخبارالاقتصادية بحكم تخصصي سواء أكان ذلك في الصباح اذا كان هناك متسع من الوقت أو مساء بعد الانتهاء من الأعباء اليومية، وفي سكون الليل وهدوء البشر. ومن الاخبار المنشورة رسميا أو على وسائل التواصل الاجتماعي قد تصدر ملف الطاقة وفواتير الكهرباء " الجدلية" المرتبة الأولى في الاخبار المتداولة خصوصا في ظل ورود العديد من هذه الشكاوي في ظل محدودية الرواتب وارتفاع تكاليف المعيشة وتحمل المواطن للكثير من الأعباء الاقتصادية..
في ظل كل تلك الصدمات وبدلا من الخروج بتبريرات واضحة لما يحدث تخرج الينا وزارة الطاقة بتصريحات لا أدري أن كانت مقصودة أم عفوية تدور محورها حول أن الاسباب الرئيسة المبررة لارتفاع قيمة الفواتير هي الاستخدام غير المدروس وسرقة الكهرباء وأنّ المواطن الصالح تحمل عبء المواطن غير الصالح ومن ثم ان اللوم يٌلقى على عاتق المواطن بعدم التبليغ عن هذه الحالات.
وهنا أتساءل وكأي مواطن عادي، هل المحاسبة على هذه الأفعال هي مسؤولية المواطن؟ أن كان الجواب نعم فأين الصلاحيات التي أعطيت للمواطن عندما رأى وأبلغ عن الكثير من التجاوزات والقضايا الاقتصادية والاجتماعية وماذا كانت ردة الفعل تجاه القوانين التي تم تمريرها رغم رغبة المواطن، وأين دور المواطن في المساءلة على الكثير من القرارات التي تمس حياته بشكل مباشر بما فيها ارتفاع الاسعار وارتفاع معدلات البطالة والفقر... أم انكم تنظرون الى المواطن بشكل موسمي أو وفق الأهواء والاختيارات وبما يتناسب مع الظرف في القاء اللوم عليه ام لا.
...ثم تأتيك المرحلة الأخرى من الصدمة وهي " كبسة الزر"، وهنا اريد أن أؤكد على شكري الجزيل لوزارة الطاقة على إدخال مفهوم كبسة الزر الى البيوت الاردنية!!!! فلم نكن نحن الاردنيون نستطيع استخدام التكنولوجيا في مجالات حياتنا لولا وجودكم فيها، وشكرا لتعودينا على استخدام الكهرباء في التدفئة، فكما تعلمون ما زلنا في العصور الحجرية ونستخدم البدائل القديمة من الحطب وحجر الصوان لاشعال النار، ونشعل النار في الحارات القديمة للتدفئة بحيث يجتمع أهل الحي للمباحثة والتشاور في شؤون الحي وما الى ذلك....
لا أدري هل فكرت وزيرة الطاقة بأبعاد هذه التصريحات ومدى منطقيتها ، هلى وصلنا الى هذه الدرجة من الاستخفاق بعقل المواطن الاردني الذي دائما يتسم بأنه المورد البشري الضروري للتنمية الاقتصادية في ظل محدودة الموارد... هناك مصطلح اقتصادي من أًصل لاتيني يسمى cetris paribus أو كما يترجم باللغة العربية الى استصحاب الحال، ويعني دراسة أثر متغير اقتصادي على ظاهرة ما بشرط بقاء العناصر الاخرى ثابته وذلك ليتمكن المحلل من ان يعزو أثر التغير في الظاهرة الى هذا المتغير.....جميع المواطنين الذين اشتكوا من ارتفاع قيم فواتيرهم يدركون مفهوم استصحاب الحال في عقولهم، حيث لا يعقل أن كميات الاستهلاك والاجهزة المستخدمة هي ذاتها، ولم يطرأ اي تغير عليها ( أي أن عدد كبسات الزر) أيضا ثابتة ورغم ذلك ارتفعت القيم بهذا المقدار؟؟؟
أعتقد أنّ هناك مجالات أكثر افادة للشعب الاردني لاستخدام كبسة الزر، مثلا هل سيكون للمواطن الحق في المساءلة حول ماذا جرى بـ كبسة الزر في تطبيق الحكومة الالكترونية بعد عشرات الاعوام من إطلاقها وانفاق الملايين من الدنانير، وهل سيكون للمواطن دور في تفنيد كبسة الزر عند استخدام منصة حقك، وهل يستطيع المواطن التظلم بكبسة زر....هناك الكثير من كبسات الزرالتي يعرفها المواطن الاردني ويدرك تماما مفهومها كما يدرك ابعادها على الحياة اليومية. وهنا أود التأكيد على أن ادخال التكنولوجيا ممثلة بكبسات الزر لا بد ان تسهم في تخفيض الكلف الانتاجية وزيادة التنافسية وهذا ما شهده العالم في الثورة التكنولوجيه والعالم الرقمي.
من ثم نأتي إلى تصريحات وزير العمل بوجود ما أسماه (بالطفرة) من أبناء الفرانين الذي أصبحوا مهندسين أو دكاترة...هنا لابد من الاشارة الى ضرورة فهم الاقتصاد ككل وهيكلية الاقتصاد ومكوناته الرئيسية، وسواء شئنا أم أبينا فإّن الاردن وعلى مر العصور قد كان من الدول المتسمة بالمورد البشري / فقد كان المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه دائما يقول الانسان اعلى ما نملك... وهذا لا يعني بأي حال أن وجود الفئة المتعلمة هي "طفرة" ..
كثير من الشعوب وحتى قبل البدء باكتشاف النقود على سبيل المثال كانت تستخدم اسلوب المقايضة أو ما يسمى النقود السلعية، حيث كان معظم أفراد المجتمع يعملون في مجالات مختلفة ومن ثم تتم عملية المقايضة لتلبية الاحتياجات الرئيسية، وجميع الاقتصاديات تبدأ من شكل بسيط ثم تتطور إلى ان تصل الى مراحل متقدمة تتعزز فيها القيم المصافة على طول سلسلة الانتاج...كما نعيش حاليا في ظل العملات الالكترونية.
فلا يعيب الشعب الاردني أن قد بدأ حياته في اقتصاد بسيط ومن ثم نما وتطور، فقد كان هناك الفران والحراث والصانع والجندي، وما زالت هذه المهن مكونا رئيسيا لهيكلية الاقتصاد رغم تطور اساليب وطرق العمل عبر السنوات..
كما لا يعني أن تؤثر الجينات في اختيار وظائف المستقبل لكل منا، فلا أحد يستطيع التنبؤبشكل كامل بنوعية الوظائف المستقبلية والتطور السريع الذي يعيشه الاقتصاد الرقمي مقارنة بما نعيشه الآن، كما لا يعيب الفران أن يرى ابنه عالم فضاء أو مهندس طاقة أو حتى مخترع.... ولكي لا نكون مجحفين، فإننا ندرك مقدار الأُثر الجيني لبعض الصفات او حتى الطباع وتوارثها عبر الأجيال، لكن ينبغي لنا أن ندرك أنّ ترغيب الناس بالعمل المهني - وهو الحل في ظل ارتفاع معدلات البطالة الى ارقام غير مسبوقة - لا يكون بمثل هذا النوع من التصريحات!!!
وفي الختام، لا أقول إلا أعانك الله أيها الشعب الأردني على ما تسمع وما ترى وما "يقال عنك" ونمد أيدينا الى الله ضارعين بأن يمنحنا " طفرة اقتصادية" تسهم في حل مشكلاتنا واهمها البطالة وتحول حياتنا الى " كبسة زر" مريحة..

نيسان ـ نشر في 2020-02-18 الساعة 08:21


رأي: د رغدة الفاعوري أكاديمية أردنية وخبيرة اقتصادية

الكلمات الأكثر بحثاً