اتصل بنا
 

البلتاجي

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2015-08-05 الساعة 22:20

نيسان ـ

قال الدكتور محمد البلتاجي إنه يتعرض للتعذيب في سجنه بواسطة رئيس مصلحة السجون، ولم يؤرق ما قال "الضمير الثوري"، ويكون دافعًا لاصطفاف الثوار من كل القوى التي شاركت في ثورة يناير لإدانة هذا الإجرام والمطالبة بالتحقيق فيه!.
البلتاجي لم يأتِ إلى الثورة متأخرًا، ولم "يبعهم في محمد محمود"، وهي "الأسطوانة المشروخة" التي تكررت كثيرًا، ليبرر البعض لموقفه في الانخراط في صفوف الثورة المضادة في 30 يونيو، والتي مثلت غطاء ثوريًا للانقلاب العسكري الذي جاء بوزير الدفاع رئيسًا للبلاد، والذي تبين أنه في موقف عدائي مع كل الذين شاركوا في ثورة يناير، وإن بايعوه وأيدوا انقلابه، بل وإن منحوه تفويضًا لارتكاب مجازره، ومكنوه من أن يرد الاعتبار لنظام مبارك، ردًا لجميله عليه، باعتباره بالاسم والرسم هو أحد تجليات هذا النظام!.

البلتاجي كان في الثورة منذ اليوم الأوّل لها، ولم ينتظر حتى يجتمع مكتب الإرشاد في ليلة جمعة الغضب، ويأخذ قراره بمشاركة الجماعة كتنظيم فيها، فهو من الذين شاركوا في التمهيد لها، وهو أحد عناوين الحراك السياسي الذي بدأ في مصر قبل الثورة بخمس سنوات، برز خلالها اسم الرجل، بحضوره الدائم في كل الفعاليات، وفي انتفاضة القضاة، كان نواب جماعة الإخوان المسلمين الـ 88 نائبًا يخرجون في مسيرات لدار القضاء العالي ليؤكدون للقضاة أنهم ليسوا وحدهم في معركة الاستقلال، وكان الدكتور محمد البلتاجي دائمًا هو الأكثر فاعلية!.

وعندما قامت ثورة يناير تجاوز بحضوره الطاغي في ميدان التحرير، حدود "النائب الإخواني" ليكون أحد عناوين الثورة المهمة، وهذا الحضور وإن كان قد مكنه كمصدر ثقة في أن يحشد الثوار في جبهة المرشح الرئاسي الدكتور محمد مرسي، فقد دفع ثمنه إبعادًا من دائرة النفوذ في الحكم، في جماعة لا ترتاح كثيرًا لأصحاب القدرات الخاصة المتجاوزة لحدود التنظيم، وكان الهدف هو إفساح المجال لمجموعة من السياسيين الهواة الذين تمّ الدفع بهم ليشكلوا فريق العمل المحيط برئيس الدولة، فكان الأداء ارتجاليًا، وأضاعوا الجهد في محاولة كسب نجوم الدولة القديمة، واختيار أصحاب القامات المنخفضة في كل مجال.

لقد ظن كثير من الذين تصدروا المشهد الثوري، بعد تنحي مبارك، أن الدكتور محمد البلتاجي تلاعب بهم، عندما دعاهم للوقوف مع الرئيس محمد مرسي، على وعد بأن الحكم الجديد سيجمع كل ثوار يناير حوله. وبدا التعامل على أنه استغل مكانته في قلوب الثوار من أجل التغرير بهم، ولم نعلم إلا بعد الانقلاب أنه حيل بينه وبين الرئيس، وكان الفريق الإخواني في القصر الجمهوري لا يرد على اتصالاته الهاتفية، فالوحيد الذي كان منوطًا به الرد عليه، هو من همش هذا الفريق وجوده وهو السفير محمد الطهطاوي، رغم أنه كان رئيس الديوان، ورغم أنه الوحيد فيمن تبقى بعد الاستقالات، الذي يمكن أن تقول إنه يمتلك خبرة تؤهله للموقع الذي يشغله.

عندما ينقشع الغبار، سيكون لزامًا أن نطالب بمحاكمة أولئك الذين تورطوا ربما بحسن نية، وربما بدواعي التنافس الشخصي في مواجهة نجومية البلتاجي، في مؤامرة إبعاده عن دائرة الرئيس، ودور عبد الفتاح السيسي في ذلك، وهو الذي كان يعرف البلتاجي تأمره على الثورة، وقد ذكر في مقابلة تلفزيونية أنه جاء لميدان التحرير ليمهد لموقعة الجمل، وليخلي الميدان من الثوار ليحل محلهم أنصار مبارك. وقد جاء للبلتاجي خصيصًا، الذي كان يقود الميدان، فلم يمكنه من تحقيق مخططه!.

ربما لو كان الدكتور محمد البلتاجي قريبًا من الرئيس محمد مرسي، لما تمكن عبد الفتاح السيسي من السيطرة على قلبه، على نحو جعله لا يشعر بتآمره عليه إلا في الوقت الضائع. فقد كان ولاء مدير المخابرات الحربية هو لمبارك الذي صنعه على عينه، والذي كان بعد رتبة العقيد لا يرقي للرتب الأعلى ناهيك عن قيادة الجيش إلا من تثبت التقارير الأمنية ولاءه التام وانحيازه المطلق.

لقد ظلمنا الدكتور البلتاجي بأن ظننا فيه ظن السوء بفكرة التلاعب بمن حشدهم من القوى الثورية لتأييد الرئيس محمد مرسي ومن أُطلق عليهم "عاصري الليمون"، وظلمه الإخوان مرتين. الأولى لأنهم أبعدوه عن دائرة الحكم تمامًا لصالح فريق المستشرقين الذين كانوا يعيشون بالخارج بعيدًا عن أجواء الثورة المصرية وتفاصيل المشهد السياسي. والثانية لأنهم لم يقولوا إنه خارج المشهد فلا يجري اتهامه بالتلاعب والتدليس على الثوار من القوى المدنية!.

وقد دفع الدكتور البلتاجي الثمن كاملاً غير منقوص للانقلاب العسكري، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم؛ ففقد كريمته الشهيدة أسماء البلتاجي في "مجزرة رابعة"، وجرى التنكيل بأسرته، وسجن نجله، ولم تسلم السيدة الفاضلة زوجته من البطش والتنكيل من انقلابيين فاقدين للنخوة والرجولة، فامتد إليها إجرامهم وهي المرأة والزوجة والأم الثكلى. وها هو الدكتور البلتاجي يعلن تعرضه للتعذيب بإشراف رئيس مصلحة السجون!.

الثمن الذي يدفعه البلتاجي هو لأنه كان من الذين شاركوا في قيادة الحراك ضد نظام مبارك، ولأنه كان من رموز الثورة التي أطاحت به، فضلاً عن أنه يعلم من هو عبد الفتاح السيسي، ومدى ولائه لمبارك وتآمره على الثورة، منذ اليوم الأول لها، وقد جرى الترويج بالكذب بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو من حماها، وجرى تسويق السيسي على أنه من يعبر عن أهدافها وخير من يتبنى مطالبها!.

وعندما يقول الرجل إنه يتعرض للتعذيب فلا يكون هذا سببًا في إعلان النفير العام، فلا يمكن لمثلي أن يستوعب أن الذين انخرطوا في الثورة المضادة في 30 يونيو كان مغررًا بهم، فعند البلتاجي تسقط كل المبررات التي أطلقت عن الذين ركبوا الثورة، بعد أن جاءوا إليها متأخرين، ومعلوم أنه سبقهم إليها ممن شكلوا جبهة الإنقاذ، مثل رئيس حزب الوفد الذي قال لشباب حزبه من يريد أن يشارك فليشارك على مسؤوليته الشخصية. ومثل رئيس الحزب الناصري الذي قال إن مبارك خط أحمر وأن حزبه لن يشارك في مظاهرات لا يعرف هوية الداعين إليها.

من المبررات التي قيلت لتبرير الانخراط في الثورة المضادة وتجاهل إجرام الحكم الجديد في حق ضحاياه إن الإخوان باعونا في محمد محمود. فالشاهد أن البلتاجي لم يبع الثوار، وكانت كريمته الشهيدة حاضرة في محمد محمود.فماذا بقي من ذرائع لتبرير الصمت على تعذيب البلتاجي؟!.

الراية

نيسان ـ نشر في 2015-08-05 الساعة 22:20

الكلمات الأكثر بحثاً