اتصل بنا
 

التجارة الالكترونية وما بعد Covid-19

أكاديمية أردنية وخبيرة اقتصادية

نيسان ـ نشر في 2020-07-08 الساعة 08:56

نيسان ـ مما لا شك فيه أنّ أزمة فيروس كورونا قد أحدثت تغيرات كثيرة على الاقتصاد ومكوناته وهيكلته، وعلى أنماط الاستهلاك لدى العديد من الاقتصاديات بما فيها الاقتصاد الأردني - كجزء لا يتجزّأ من هذا العالم. وقد كثر الحديث مؤخرا عن الدراسات الاقتصادية التي تناولت الآثار السلبية لفيروس كورونا على الاقتصاد بما فيها الآثار على العمالة المؤقتة والمنِشآت الصغيرة والمتوسطة أو متناهية الصغر وحجم الخسائر التي تم تقديرها على الاقتصاد الأردني جراء الحظر والاغلاقات للقطاعات الاقتصادية التي باشرت أخيرا بإعادة التقاط أنفاسها بعد إغلاقات طويلة كان آخرها قطاع السياحة.
ما سأتحدث عنه اليوم هوليس الآثار السلبية للأزمة على الاقتصاد، ولكن سأنظر الى الجانب المشرق للأزمة في أحد الجزئيات التي لاقت انتعاشا خلال هذه الفترة وهي التجارة الالكترونية وما يرتبط بها من خدمات التوصيل.
أذكر أنّ مؤشرات استخدام التجارة الالكترونية في الأردن قد كانت وما تزال تعاني من قلة توافرها ومحدويتها، علاوة على تواضعها في السنوات السابقة. فاستنادا الى احصائيات كتيب "الأردن بالأرقام" الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة، والمستند إلى مسح استخدام وانتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنازل ، بلغت نسبة مستخدمي التجارة الإلكترونية 4.8% فقط في العام 2017 (كآخر رقم منشور)، وذلك على الرغم من تغير بنية الاقتصاد الأردني خلال السنوات الأخيرة بشكل متسارع واستناده بشكل أكبر على قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بصفته قطاعا ممكّنا enabler للقطاعات الأخرى، كما وأننا لا ننكر تغير أساليب ونمط الانفاق لدينا حيث أًصبحت هذه الأنماط مستندة بشكل كبير على طرق وآليات الدفع الالكتروني. وأذكر أنه وبناء على الدراسات السابقة، كان من أحد الأسباب التي يعزى اليها تدني نسب استخدام التجارة الالكترونية انخفاض نسبة الافراد الذين يملكون بطاقات دفع الكترونية، أو عدم الرغبة والخوف من استخدام آليات الدفع الالكتروني - في حال وجودها- مع وجود العديد من الخيارات المتاحة امام الافراد في ذلك الوقت.

أزمة فيروس كورونا لم تبقي لدينا الكثير من الخيارات، فوجدنا أنفسنا ودون سابق انذار أمام خيار وحيد هو التسوق الالكتروني والدفع الكتروني (كوسيلة صحية أكثرأمانا من غيرها من طرق الدفع التقليدية) ومن هنا فكان لا بد من التكيف السريع مع متطلبات الموقف، لا بل على العكس فقد أصبح هذا الخيار ضرورةً وحلا ناجعا لدى العديد من الأشخاص وخصوصا من لا يملكون الوقت أو المزاج - أو كليهما- للتسوق التقليدي، وأعتقد وبشكل جازم أنّ نسب الاستخدام سترتفع بشكل كبيروغير مسبوق في الفترات الزمنية القادمة وخصوصا في ظل تزايد معدلات انتشار الأجهزة الذكية والانترنت penetration rate في الأردن وبشكل متسارع. ومن هنا، كان لا بد من الإشارة الى ضرورة تحديث هذه الدراسات المسحية المهمة لما لها من أثر كبير ولا يمكن تجاهله في توفير مؤشرات مناسبة ومحدثة تسهم في مساعدة واضعي السياسات ومتخذي القرار في الاستناد الى معلومات محدثة مستقاة من المصادر الرسمية الموثوقة.
الا أنّ من أبرز المشاكل التي أعتقد أنها تعكر صفو مستخدمي التجارة الالكترونية، ما يسمى بالخدمات المساندة وأقصد خدمات التوصيل. فقد ساهمت شركات التوصيل في توفير العديد من فرص العمل للشباب المتعطلين عن العمل أو حتى للطلاب المتواجدين على مقاعد الدراسة خلال فترة الأزمة وبشكل واضح للعيان خصوصا تلك المستندة الى التطبيقات الالكترونية، مما يعني أن لها دور كبير في التقليل من حدة مشكلة بطالة الشباب. لكن مما لا يروق لي وبعد الاستناد الى هذه الخدمات لعدة أِشهر أن هذا النوع من العمل ما زال يعاني من قلة التنظيم ، وهنا لا اقتصد كونه اقتصادا منظما أو غير منظم (فهناك العديد من شركات التوصيل المسجلة رسميا)، بل اقصد افتقار هذه الخدمات للتنظيم والتخطيط، ومن أبرز هذه المشاكل عدم الالتزام بأوقات تقديم الخدمة للمنتفعين، حيث يقوم بعض العاملين في هذه الشركات بتسليم المشتريات وفق أهوائهم وبرنامجهم وأماكن تواجدهم وليس وفق برنامج الزبائن وأوقات تواجدهم، فكثير ما أتلقي اتصالا بأن طلبي جاهز للاستلام عند باب البيت على الرغم من اشتراطي وقتا معينا للاستلام استنادا الى جدولي وأماكن تواجدي، مما يستدعي تغيير موعد الاستلام وأحيانا المكان، وما يترتب عليه من هدر للوقت لكلا الطرفين ناهيك عن الكلف إلاضافية.
وبالتالي فأعتقد أنه لا بد وجود استراتيجية معينة تتضمن في طياتها ضرورة تقديم الدعم الفني لهذه الشركات لتدريب العاملين فيهاعلى مهارات تنظيم الوقت وإعداد جداول التسليم خصوصا وأنّ هذه العملية قد أصبحت أسهل بكثير مما سبق في ظل وجود التطبيقات الالكترونية الذكية، وضرورة التيقن من أنّ الالتزام بالوقت هو أحد عوامل النجاح لهذه الخدمات ونموها وتطورها.
كما أرى أنه من الضرورة بمكان أن يتم تدريب هؤلاء العاملين على مهارات التواصل مع الزبون بشكل مهني يتناسب مع طبيعة العمل وفق الأسس الصحيحة للتعامل مع المستهلكين وتقديم الخدمات وفق أسس ضمان الجوده وتوكيدها. وقد يكون ذلك ممكنا كجزء متضمّن في استراتيجية الحكومة للتجارة الالكترونية (والتي اعتقد انها بحاجة الى تحديث أيضا). كما لا بد من تحديث البيانات الخاصة بالاشتمال المالي للأفراد والشركات من أجل التعرف على مؤشرات الوصول الى الائتمان، والمؤشرات المرتبطة باستخدام طرق وآليات الدفع الالكتروني في قطاع الأسر وقطاع الأعمال، وذلك لضمان تقييم التجربة الحالية أولا استنادا الى الدراسات المتخصصة، ومدى تطور هذه المؤشرات عبر الزمن، ومن ثم الوقوف على أي عقبات أو مشاكل تعيق من تقدم التجارة الالكترونية والخدمات المساندة، وبالتالي محاولة إيجاد الحلول الناجعة بالتنسيق والتشاركية مع الشركات العاملة في هذا القطاع والتي تسعى- وبلا شك- الى تحقيق أعلى معايير الجودة وبالتالي استمرارها في العمل وخلق فرص عمل إضافية أو على الأقل – المحافظة على فرص العمل المتوفرة فيها حاليا-.
عندها لن تصبح هذه الخدمات حلا مؤقتا فرضته علينا أزمة كوروناـ بل ستصبح ركيزة أساسية ناتجة عن تحول جذري في سلوكيات المستهلكين الشرائية وستسهم في تحقيق عوائد إيجابية على مستخدميها، وبالتالي ستكون ركيزة من ركائز التعافي الاقتصادي، بل وربما تسهم ولو - بمدى بسيط - في خارطة الطريق لتحسين ترتيب الأردن في التقارير الدولية المعنية بذلك، وأذكر منها تقارير التنافسية وخصوصا تنافسية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات GITR بمحاوره الرئيسة والفرعية، وعندها سنرى أنّ أزمة كورونا قد أجبرتنا على التحول الإيجابي في بعض المسارات التي كان لا بد من السير بها منذ سنوات طويلة.

نيسان ـ نشر في 2020-07-08 الساعة 08:56


رأي: د رغدة الفاعوري أكاديمية أردنية وخبيرة اقتصادية

الكلمات الأكثر بحثاً