اتصل بنا
 

الشد العكسي ..!!

رئيس تحرير صحيفة الثورة السورية التابعة لنظام الاسد

نيسان ـ نشر في 2015-08-09 الساعة 21:40

نيسان ـ

لا تعني كثرة المبادرات المطروحة بأن قطار الحلول السياسية لمشكلات المنطقة وأزماتها قد انطلق، بدليل أن «الكوابح» السياسية وغير السياسية لا تزال تعمل بأقصى طاقتها، مدفوعة بمخاوف ونقاط قلق واضحة، لا لبس فيها ولا غموض من المخاض القائم في الأجندات السياسية لقوى راهنت على الإرهاب ومنتجاته وخلطاته طريقاً للمجازفة بكل أوراقها،

واختلاط نقاط القوة والضعف في مفارقات العلاقة مع تنظيماته، فتمارس من موقعها التقليدي دورها الوظيفي في عرقلة تلك الانطلاقة التي سال وسيسيل معها وحولها الكثير من الحبر قبل أن تصبح حقيقة.‏

وفيما كانت تفترض الحالة التفاؤلية في المشهد الدولي أن تبدأ رحلة الاصطفاف السياسي بانتظار إشارة البدء، تتصاعد على المقلب الآخر إشارات الشد العكسي والتي وصلت إلى ذروتها، وهي تواجه تصلباً مرضياً في نظرتها إلى المشاهدات الحسية والإدراكية التي تتدحرج أمامها وتنزلق معها ومن بين أصابعها خيوط الدور والوظيفة الإقليمية لتجد نفسها أمام دوار سياسي يعود بطبيعته إلى إثارة القلق الوجودي لدى تلك الأدوات.‏

جردة الحساب السياسي التي تجريها مختلف الأطراف المتضررة من الحلول السياسية، لا تبدو مؤهلة لحسم كفّة الميزان التي تتأرجح صعوداً وهبوطاً من دون أن تستقر على حال في مشهد تقييمي لعوامل الربح والخسارة، وفي وقت لا يترك فيها رعاة التنظيمات الإرهابية فسحة للانتظار، وهي تمارس أقصى درجات التصعيد الميداني على جبهاتها المفتوحة، مدعومة من دول إقليمية لا تزال تراهن على الإرهاب كأحد عوامل التفخيخ المبرمج لأي مبادرات.‏

فالسياق الذي أنتج لغة التفاؤل المنتشرة بكثرة هذه الأيام لم يستطع أن يخرج أبعد من حدود التأمل المجاني لمعطيات لم تترجمها حتى اللحظة أي خطوات في ظل فشل الإرادة الدولية للقوى الكبرى في بلورة نقاط مشتركة قابلة للتطوير أبعد من نطاق الاتفاق على نقاط الاختلاف أو التأكيد على استمرار الاختلاف على ما يجب الاتفاق عليه.‏

بهذه اللغة لا يأخذ الشد العكسي موقع الكوابح التي تحول دون الانطلاق، بقدر ما يعمل وفق معادلة العودة إلى الخلف أو السير بالمقلوب، حيث رعاة الإرهاب الإقليميون لا يزالون يحصون خسائرهم السياسية الملحقة بخسائر رهاناتهم على الإرهاب، حيث الفارق بين أن توقف دعم الإرهاب وبين الخروج عن الدور التقليدي يكاد يعيدهم إلى المربع الأول، وربما إلى السطر الأول، ومحاولة الشد العكسي هنا تتجاوز حدود التفخيخ السياسي، وتصل مرحلة إعادة التموضع خلف سياج من الأوهام المبنية على فرضية أن التمترس داخل جدران المربع الأول يمكن أن يحسّن من شروط حضورهم في خريطة المشهد الإقليمي أو في الحدّ الأدنى الحفاظ على دورهم الوظيفي ولو كان بنسخة معدّلة.‏

وفق هذه المعايير يبدو أن المبادرات ستبقى متأرجحة بين قوتين متضادتين ومتعاكستين، ورغم الفارق في موازين التموضع على الأرض وأوراق القوة والضعف، سيبقى من المبكر الحسم في الحصيلة النهائية لقوة الدفع والدفع المعاكس، بحكم أن مشهد التحالفات الجديد وانعكاسه على العلاقات الدولية وموازين الحسابات وما فرضته من معادلات لم يصل بعد إلى مرحلة النضج الكافي، بما فيه حالة الاصطفاف السياسي التي تشهد تبدّلات وانقلابات، ناهيك بأن إرادة المجتمع الدولي لا تزال محكومة ببعض المصالح الإقليمية والدولية التي تتمسك في رهانها على الإرهاب ولا تزال التنظيمات الإرهابية ورقة للدفاع عن الموقع والدور، رغم الفشل الذريع في تبييض صفحة أي منها حتى اللحظة.‏

فرغم التبدّل الحاصل في تزعّم وصدارة الأدوار الإقليمية لتلك الأدوات واختلاف مزاج النظرة الأميركية إلى بعضها، فإن تعويم الأدوار لا يزال هو الأساس في حسابات المرحلة الراهنة حيث الصراع بين أدوات الشد العكسي بدءاً من تركيا وقطَر وليس انتهاءً بالسعودية وبعض أذرعها المرتبطة مع «إسرائيل» وجودياً يمثّل عنواناً قائماً ريثما تحسم أميركا خياراتها في القاطرة الجديدة المؤهلة لتكون وكيلتها المعتمدة في حروبها العبثية بنسختها القادمة على تخوم البحث عن حلول سياسية تستند إلى التهدئة الموضعية أكثر مما ترجح الحلول العلاجية أو الجذرية.‏

وبانتظار الحسم.. فإن «الشد» العكسي يتصاعد تبعاً لنشاط الحراك السياسي، ومؤشراً على تزايد حدة الإفلاس في الرهان على أوهام تتبدد أو كادت، حيث الاختلاف ليس في مقاربة مقلوبة أو مشوهة، بقدر ما هو في تموضع يزداد انزياحاً وربما تمهيداً لانقلاب لم ينضج بعد..!!‏

الثورة

نيسان ـ نشر في 2015-08-09 الساعة 21:40

الكلمات الأكثر بحثاً