اتصل بنا
 

المنطقة الآمنة وضرورة التلاحم الشامي التركي

اعلامي سوري

نيسان ـ نشر في 2015-08-13 الساعة 12:35

نيسان ـ

السياسة فن الممكن، كما هي فن التوقع والتبصر أيضًا، لا أحب حشر الفتاوى في مواقف سياسية متقلبة كهذه، فالسياسة كما قررها علماؤنا وأصوليونا هي حفظ الراعي لمصالح الرعية، التي هي مقاصد الشريعة، وعليه فإن المبصرين والخبراء الثقات هم من يستطيعون أن يُفتوا سياسيًّا في المسألة، مستندين إلى تنقيح مناط حقيقي وفعلي وواقعي، ومسترشدين معه بوقائع تاريخية مماثلة ربما يمكن القياس عليها سياسيًّا وتاريخيًّا ما دام القياس أحد مصادر التشريع الإسلامي لدى غالبية العلماء والفقهاء، وهنا لا أتحدث عن الحكم الشرعي والفقهي للمسألة.

ما يجري على أرض الشام اليوم من تكالب عالمي إجرامي بحقها، هذا الإجرام يُحتم على المخلصين البحث عن أصدقاء وحلفاء، مع قراءة سياسية واعية لراهنية الأحداث والوقائع ومستقبلها ومآلها، وعدم الركون إلى لغة خشبية، فالتكتيك والمرحلية لا تعني أبدًا ضرب الاستراتيجية، وإنما خادمة لها، وتوفر لك حيزًا من المناورة، فليضع الجميع نصب عينيه مصلحة الشعب والإبقاء على عنفوانه وزخمه في القتال والجهاد ضد عالم مجرم لم يفرق بين مجموعة شامية وأخرى، وعجز طوال خمس سنوات أن يجد عملاء يعتمد عليهم.

وعلى سيرة القياس السياسي لا بد أن نتذكر حادثة لا تزال غضة وطرية، وهي دعم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للإخوان المسلمين في سورية ضد حكم حافظ الأسد، والنقاش والجدل الذي أُثير يومها وسط الإسلاميين بشأن مشروعية التعاون والتنسيق والتحالف مع العراق، ليتبين لاحقًا أن صدام حسين كان مطلوب الرأس مثله مثل الإخوان المسلمين والإسلاميين بشكل عام في سورية، ربما الفارق أن رأس الإخوان المسلمين كان ثمنًا معجلًا بينما ثمن رأس صدام حسين كان مؤجلًا.

اليوم يتكرر ذلك في قضية تعاون تركيا مع الفصائل الجهادية والثورية بإقامة المنطقة الآمنة والعازلة، ربما الفارق هنا أن رأس أردوغان وحزب العدالة مطلوب اليوم، كما أن رأس الثورة السورية مطلوب، ولعل ما يؤخر استهدافه بشكل مكشوف وفظ كما يحصل في حال الثورة الشامية هو أن أردوغان يمثل دولة ومؤسسات وشرعية، يصعب ضربها بالبلطجية التي يتم بها ضرب الثورة الشامية.

حين تريد أن تقرأ موقفك صحيحًا أو خاطئًا فأحد الأدلة المحتملة وليس دائمًا دقيقًا هو النظر إلى ردّات فعل العدو، وهو ما يظهر اليوم بوضوح من خلال التبرم الأميركي من الإعلان التركي عن المنطقة الآمنة، بالإضافة إلى حالة الهستيريا الإيرانية وإعلامها إزاءها، وهنا لا بد أن ننظر لنرى ما السلبيات التي قد تلحق بنا جرّاء هذه المنطقة الآمنة، أليس هي المنطقة التي طالب بها شعبنا منذ اليوم الأول، وهي ما توفر له حفظ دينه ونسله ونفسه و... و... و...، وستوفر عليه العيش بأمان وسط الإجرام الطائفي المدعوم عالميًّا، واليوم غدا المشارك العملي معه في قتل وسحل الشعب السوري.

الذي يصدح به الواقع هو أن أعداء الثورة الشامية المباركة ثلاثة أصناف: محليين وهم معسكر العصابة البرميلية وحلفاؤه، وغلاة الأكراد المجرمون، وغلاة الدواعش الذين يطعنون ظهر الثورة والمجاهدين مع كل تقدم للأخيرين، وبالتالي حين تقوم تركيا بالتكفل بقتال عدوين شرسين للثورة الشامية وهما غلاة الأكراد والدواعش، هل من الحكمة السياسية والمنطقية أن نقف في وجهها، فالمؤامرة الكونية على الشعب السوري هي مؤامرة على تركيا أيضًا، وبالتالي لسان حالها "ما لا يدرك كله لا يُترك جله".

الجماعات الجهادية والثورية ما لم تتعامل مع الواقع السياسي والاجتماعي الذي تصطدم به يوميًّا من حيث البحث عن أصدقاء وتحييد أعداء وتعظيم المشتركات وتقليص الاختلافات فإنها لن تقدر على السير في غابة الوحوش العالمية التي تستهدف الشام وتستهدف معها كلَّ من يقف مع ثورتها، وإلا فإن هذه الجماعات عليها أن تستعد للهروب إلى جبال طورة بورة وغيرها، وربما للأسف لا توجد جبال طورة بورة في الشام، ولعل بيان حركة أحرار الشام الأخير في دعم المنطقة الآمنة كان نقلةً نوعية، وهنا لا ننسى أيضًا النقلة النوعية في موقف جبهة النصرة بإخلاء مناطق بالريف الشمالي تحاشيًا لمواجهتهم مع المنطقة الآمنة على الرغم من إعلانهم عدم التعاون معها.

أدرك تمامًا أن بعض الجماعات الجهادية تُثخن في النظام المجرم وداعميه، ولكن المطلوب هو الإثخان السياسي وتفويت الفرص على القتلة، والبحث عن مساحات وأراضٍ للتعاون مع الحلفاء والأصدقاء والمؤيدين للثورة، وباعتقادي فإن تركيا أثبتت على مدى خمس سنوات من الثورة الشامية أنها الصديق والحليف الحقيقي لثورتنا، بدعمها المتواصل والمستمر وغير المنقطع، وما لم يتم زرع الثقة والبناء عليها مع تركيا والأتراك فإن كرة اللهيب الشامية سيقذفها الإجرام العالمي إلى الحضن التركي لا سمح الله، تمامًا كما فعل في باكستان بتحويل كرة النار من أفغانستان إلى مناطق القبائل، ونحن نرى اليوم اصطفافًا طالبانيًّا أفغانيًّا مع باكستان، والتنسيق السياسي والتفاوضي معها، لمواجهة ضغط رهيب تُمارسه الحكومة الأفغانية المدعومة أميركيًّا وإيرانيًّا وهنديًّا على باكستان، وعليه فعلينا استخلاص الدروس الباكستانية - الأفغانية للاستفادة منها في الحالة الشامية، والتعلم من طالبان أفغانستان بالتعاون مع باكستان على الرغم من كل ما فعلته بهم، بتعاونها مع التحالف الدولي في إسقاط حكومتهم، بل التعاون في قتالها حتى بعد مرحلة الإسقاط، بينما حكومة أردوغان لا تُقارَن بالحكومات الباكستانية، فهي ظلت على مدى تاريخ الثورة الشامية خيرَ داعم ومساند لها.

أخيرًا باعتقادي المتواضع فإن السياسة الشرعية في أوضاع الاستضعاف والإبادة والتآمر العالمي الرهيب على أهل السنة تفرض الدفع بأكثر المفاسد الممكنة عن الأمة، في ظل تعذُّر وربما استحالة تطبيق شعارات وأفكار ورؤى جميلة لا قيمة لها في ظل واقع الإبادة الجماعية المستمرة والمتواصلة وعلى مدار الساعة.

الدرر الشامية

نيسان ـ نشر في 2015-08-13 الساعة 12:35

الكلمات الأكثر بحثاً