اتصل بنا
 

كُنّا نَكتبُ موسيقى النَشْوة الأولى على الحيطانِ ولا نَقرَؤُها

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2020-10-09 الساعة 22:56

نيسان ـ كَمْ جَميلةٌ هِيَ قَصيدتُكِ العَفوية، عِطرُها البَلديُّ الأصيل يأخُذُني عُنوةً إلى أيام الكرامةِ البائِدة وأصواتِ ام كلثوم وعبدالحليم العظيم، وشكراً...
(عيدة المحمد) قَبلَ قليل تُداعِبُ القمَرَ والأرض و تَكسِرُ الحظر الشامل بصوتٍ شجي وهي تُلقي قصيدةً قديمة، تذكُرُها وكأنها سَمِعَتها بالأمس، لِتشاهِدَ مشهداً انطباعياً طاغِياً يدعو للدهشة.
عانقتُ نفسي لِبُرهةٍ، احتضنتها كمدمنٍ يدخنُ آخرَ نَفَسٍ في سيجارَتِه، فقالت لي: "في البدءِ كُنّا نَكتبُ موسيقى النَشْوة الأولى على الحيطانِ ولا نَقرَؤُها، ثُمّ صِرّنا نَكتبُ قصائدَ حُبٍّ على مَرايا العُمرِ الجميلِ ولا نَفهمُها، ثُمَ تَلحَّفْنا بِعَباءَةِ ليلٍ طَويلٍ يُحَيِّدُ كُلَّ شَيءٍ حَولَنا، يَصْحبُنا نِصفُ قَمَرٍ تاهَ عن مَجرَّتِنا ثمَّ طلبَ حَقَّ اللجوء في عِلِّيَةِ الدارِ،بَعدَ أنْ عانَقَ مَناشير عِشّقٍ أدْمَنّا عليها قَبلَ سِنِّ الرُشدِ.
في البَدءِ كانتْ الآلِهةُ وحيدَةً تحْتفلُ وَراءَ سِتار يَحتضِنُ ظَلَّها, والقناديلُ مُطفَأةٌ في الزقاقِ المَهْجورِ إلاّ من بعضِ العُشّاقِ الجُدُدِ، ثمّ جاءتنا بَعضُ الشُهُبِ المُتَمَرِّدةِ على قوانينِ الجاذبِيَّةِ كَيْ تَطلُبَ الغُفران في مِحّرابِ الليلِ الثَمِلَ بِسَوادهِ بَعدَ أنْ طَرَدَ كُلَّ النجومِ، وفجأةً ثَملتْ الآلهةُ فَمَنحتْ نصفَ القمرِ جوازَ سَفرً وضَمَّتْ النجومَ إلى صَدرها بَعدَ أنْ مَزَّقتْ عَباءةَ الليلِ ثُمَّ جادَتْ عَلينا بحُرّيَةٍ سقطتْ من جُعبَتها بِمَحضِ الصُدفةِ."
فكانَ لزاماً علي القول : "نِمْتُ عَلى قارِعَةِ الطَريقِ كَيْ أُمارِسَ حُلُمي في عَراءٍ يَكادُ يَكونُ جَميلاً
بَعدَ أَنْ قَرَأْتُ قَصيدَةَ حُّبٍ نِيرودِيَهْ
وتَرَكْتُ وجَعيَ السّاكِنَ في بَيْتٍ مُقْفِرٍ
حَتى منْ دخانِ طابونٍ وصَوْتِ نايٍ حَزينٍ وحروفٍ مَنسِية
وعَشاءٍ يَحتَلُّهُ قُرْصُ زَعْتَر وضُحكَةُ أُمِّ عَطا وخَرْطوشَةٌ تَرَكناها في العَراءِ
حَتّى نَجْترَّ سِفْراً لِلتَكوينِ بِلا سّوقِيَهْ
لَأَيِّ قِبْلَةٍ أُصَلّي بَعْدَ أَنْ تَمرّدَ ظِلّي عَلى شَمْسِ البارحِةِ
وتَنكَّرَ في ثَوبٍ شَرّْقيٍ كَيْ يُشْبِهِني ويُقَبِّلَ جارَتَنا المَجّدَليهْ
وأنا المَسّْكونُ بالجُنونِ والحَقيقهْ
أنا الحالمُ بقَليلٍ من رائِحةِ الجَغرافيا وبُرتقالَةِ حُبٍّ مَنْفِيَّةْ
وكوفِية تَسْتطَوْنُها نُجومٌ تاهَتْ عن مَجَرّةِ سَكَنتْها أُمّي
يُجاوِرُها بَعضُ الصَعاليقِ ومِنَ البَحْرِ حّورِيهْ
تَعِبتُ منْ طَواحينِ الهَواءِ المُرِّ وطلاسِيمِ الذاكِرهْ الصّوفِيهْ
تَعِبتُ مِنْ قَوانينِ الجَدَلِ ونصوصٍ مِنْ عَبَثٍ كَتَبتُها في اللُغَةِ العِشْقِيهْ
فَضُمّيني كَي لا أتَمَرّدَ مَرّةً أُخرى"
تَدارَكَتْ( عيدة المحمد) المشهَدْ وقالَت :" سَبَقَني ظِلّي كيّ يَضُمَّكِ مُبتسِماً قبلَ الرَحيلْ
اختَصْرَ الطريقَ قَليلاً بلا جَواز سَفرٍ ثُمّ ذابَ فَجأَةً في لَونِ الأصيل، ارّْتَدى حُلُمي على شَكلِ نَقيضٍ لَهُ، كَيْ يهرُبُ مِنْ لُغةَ نَقَشتُها على غَيمَةٍ تاهتْ صُدْفَةً في سَعّفِ النَخيلْ
ثُمَّ رمى ذاكَرتي في قصيدَةٍ عِشّقِيَّةٍ يَحّتَلُها الضَبابُ المحايِدُ كَتَبتُها لكِ كَيْ يَتَقَمَصّني هُوَ في شِعّْرٍ جميلْ، فَكَيفَ أُحارِبُ ظِلّي بَعدَ أنْ حَجبَ الشَمسَ عَنّي تَماماً عِندَ الرحيل."
كتبت ذاكرة مجروحة ذات مساء وهي تجابِهُ أمواج الحُبْ : "ويكأن سادية "البحر" وضجيجه تخطفان ذبيح الكبْر ثم تذهبان به إلى مقصلة السكون فيغرق أحدنا لتغفو الجليلة.."
جميلةٌ هي لغتكَ التبسيطيه، ولكننا عندما نبدأ التبسيط في بعضِ الحقائق العلمية المعقدة نسطدمُ بحاجزٍ يفصلُ ما بين التبسيط والبساطة، هُنا دعني فقط أقول أنّ الحركةْ هي الثابتُ الوحيدْ في كوننا هذا، وهنا المقصود أنّ كلّ شئٍ متحرك في الكون وإن اختلفتْ أنواعُ الحركة، وثبات الحركة هنا ليس له علاقة بالإطلاق بالمعنى العلمي والفلسفي للكلمة، لأننا نعلم جميعاً أنّ الحركة نسبية في جميع أشكالها ( أقول كوننا هذا لأن بعض النظريات الحديثةِ في الفيزياء النظرية تقترح وجود عدة أكوانٍ حولنا وبأبعاد مختلفة)
، كما أنّه لا معنى للزمانِ بدون المكانْ والعكسْ صحيح لأنهما نسيجٌ واحد، كما أن الإكتشافاتَ الجديدة فيما يتعلّق بالحفر السوداء والمادةِ السوداء ستقلبُ كثيراً من المفاهيم العلمية وطبعا الفلسفية حتى في لغة النظرية النسبية نفسها.
*عُموماٌ، هذا الحظر الشامِلْ جميلٌ في القرية، فَرُغمَ السُحُبِ الرُكامُية، تَجِدُ مكاناً تتدثرُ بِهِ وَتَبتَسِمْ..

نيسان ـ نشر في 2020-10-09 الساعة 22:56


رأي: رأفت القبيلات كاتب أردني

الكلمات الأكثر بحثاً