اتصل بنا
 

سيرة حـــــذاء ...

كاتب وأكاديمي أردني

نيسان ـ نشر في 2015-09-07 الساعة 08:38

نيسان ـ

أجفل الخنزير البري حين حرّك الهواء أغصان السدّرة التي يتفيأ ظلالها، نهض متثاقلا باتجاه النهر، الرصاصة التي اخترقت فخذه اليسرى ألقت به على شفير الوادي ..لعق الدم المتدفق بلسانه ومال على جانبه غير الجريح..لحظات ووصل الصياد، كان شابا يتدفق حيوية ونشاطا، أجهز عليه وسلخ الجلد، ترك اللحم للكلاب واكتفى بغنيمته .

دباغة جلد الخنزير كلّفته كثيرا نظرا لحاجته لإزالة الدهن اللاصق في باطن الجلد..أبقاه في الشمس أياما ثم لمّا جفَّ بدأ مرحلة كشط الدهون والأوردة الجافّة بمجلخ خاص بهذا العمل. جعل الجلد في قطعتين متساويتين..الحذاء الذي يصنع من هذا الجلد عادة يكون سعره معقولا، أنهى لصق القطعين وقصهما على القالب الخاص، بدأت مرحلة حفّ الجلد وصباغته وتلميعه، استغرق العمل إلى أن اكتمل قرابة تسعة أيام .

أخرجه البائع من (الكرتونة) التي أمضى بها زمنا ..علّقه في خزانة العرض فوق مسمارين حادّين ..

تعوّد البائع ان يقنع زبائنه الأثرياء أن بضاعته مستوردة، ولما اشتراه ابو لوسي كان حريصا على أن يلفت نظر جليسه الثري فكان يضع رجلا فوق أخرى ويبادل بينهما بين الفينة والأخرى، أحسّ الحذاء بنشوة عظيمه عندما تعرّقت قدما السيّد وهو يكذب حول منشأه ويزعم أنه (ايطالي)..عاش حالة من الذهول وهو يتخيّل نفسه يجوب البندقيّة أو يتجول في ميلانو او فلورنسا .

عندما عاد السيّد إلى البيت وخلع الحذاء كادت زوجته أم لوسي تطرده من البيت بسبب الرائحة الكريهة التي انبعثت منه !

في الصباح كان السيّد يضعه في (كيس بلاستيكي) أسود ناوله للسائق أبي خضر الذي شكر سيّده على هداياه التي يغدقها عليه كل حين .. قالت أم خضر أن ثمنه في سوق الجمعة يكفي لعزومة البنات.

عندما التقى أبو لوسي صديقه الثري لاحظ أنه يبادل بين رجليه في الجلسة ليلفت نظره للحذاء الذي يلبسه ...رأى أبو لوسي حذاءه في قدم صديقه ..ابتسم وهو يحدّثه عن منشأه الإنجليزي ...أنتشى الحذاء مرّة أخرى وهو يرى نفسه يجوب الريف الإنجليزي أو المرتفعات الاسكتلنديّة...

في الليل عندما كان مركوناً في خزانة الأحذية في منزل السيّد الكبير علم أن الكذب قد يوصلك إيطاليا ويتجول بك في لندن لكنّه لن يزيل عنك الرائحة النتنة.

نيسان ـ نشر في 2015-09-07 الساعة 08:38

الكلمات الأكثر بحثاً