اتصل بنا
 

ثرثرة من واغادوغو!

كاتبة جزائرية

نيسان ـ نشر في 2015-09-17 الساعة 08:57

نيسان ـ

لم ألتق الفريق محمد مدين ولا من سبقه على رأس مؤسسة ”الدياراس” طوال حياتي المهنية التي قاربت الثلاثين سنة، ولم أكتشف ملامح وجهه إلا من خلال الصور التي بدأ بعض الجبناء نشرها بمجرد رحيله، ولم ألتق أيضا من خلفه على رأس المؤسسة اللغز الذي سمعت اسمه لأول مرة (سي البشير) لما عرض عليّ أحد أصدقائهم أن ينظم لي معه لقاء وتعجب أنني لم أكن أعرف الرجل ولا أعرف اسمه (البشير)، لكني أعرف جيدا اسمه الآخر من خلال الإعلام ومن خلال دوره في مكافحة الإرهاب. لكن هل سيبقى الرجل هو الآخر مجرد شبح، ويتحول هو الآخر إلى أسطورة تحاك حولها القصص المرعبة أحيانا والشيقة أحيانا أخرى، قبل أن نكتشف في نهاية الأمر أنه مجرد بشر وليس فقط بشير، يمكن أن يمرض أو يغضب عليه أو يحال على التقاعد ويمكن أن يكون له أعداء ومريدون وطبالون ومبخرون. فما دام الكل يقول إن ما يجري في مؤسسة المخابرات هو مجرد إعادة هيكلة كان لابد من إحداثها لتصبح هذه المؤسسة مطابقة لمخابرات الدول الأخرى، تلتزم بمهامها الدستورية لا غير، ولا تسعى لصناعة رجال سياسة ولا رجال إعلام ولا حتى رجال أعمال يخرجون من العدم وتصير لهم يد طويلة في تعيين وإقالة الحكومات، فلماذا لا يباشر رئيسها الجديد أسلوبا مغايرا لسابقيه ويصبح وجهه مألوفا لدى الجميع، ونبرة صوته أيضا، وأن يخرج من المغارة ويتعامل مع الجزائريين كأي مسؤول، ليس مجبرا أن يعرض علينا تفاصيل عمله لأنه سري وليس من حق الجميع معرفته، لكن أن يكون تعامله إنساني لا غير، حتى لا تلصق به صفات غير بشرية وتحاك حوله الأساطير ويتحول هو نفسه إلى اسطورة.
مجرد اقتراح لا غير، ولماذا لا يعطي حوارا صحفيا؟ بل لماذا لا يكتب الفريق مدين مذكراته مثلما كتب مدير ”سي آي إيه” جورج تينيت مذكراته، والتي بالمناسبة ذكر فيها اسم محمد مدين وقال وقتها إنه كان يوم أحداث 11/ 9 في واشنطن، ليس مجبرا أن يقول لنا كل شيء لأن هناك أسرارا مرهونة بعامل الزمن، لكن يقول لنا ما يمكن أن يصالح الجزائريين مع هذه المؤسسة التي تنسب إليها الكثير من المساوئ، عن حق أحيانا وعن باطل أحيانا أخرى. قلت أيضا مجرد اقتراح.
كنت منذ قليل أسير بشوارع العاصمة البوركينابية واغادوغو التي وصلتها أول أمس، الجو حار جدا ورطب، وشوارعها تحمل كل مظاهر بؤس إفريقيا، فيها شيء من تونس وشيء من القاهرة وأشياء من حي الحراش بالجزائر ومن الرباط، ومع ذلك الكل يسعى إلى مشاغله لكسب حياة يبدو أنها صعبة جدا، تستكشفها من خلال البضاعة التي يعرضها الباعة في الشوارع ومن خلال حالة المباني ومن سيارات الأجرة المهترئة، والأرصفة التي تغطيها الأتربة.
خرجت وفي ذهني شيء واحد، أن أتفرس في ملامح شعب رفع منذ سنة لافتات كتب عليها باللغة الفرنسية ”نحن لسنا الشعب الجزائري” وكانت تلك شتيمة لأحفاد جيل نوفمبر وثورتنا العظيمة، أما كوننا كنا مثلا سيئا لهؤلاء الثائرين، فلا رئيسهم أراد أن يغير الدستور ليترشح لعهدة رئاسية ثالثة، وأثمرت المظاهرات وانتهت بإسقاط الرئيس المتشبث بالكرسي الخريف الماضي. لا أعني أية إسقاطات فقط أردت أن أكتشف ملامح وجوههم السمراء الداكنة ومن أين جاءوا بالشجاعة.

الفجر

نيسان ـ نشر في 2015-09-17 الساعة 08:57

الكلمات الأكثر بحثاً